نبذة عن حياة الشيخ عبد الغني بن الحسن عوسات
أعدَّ نصَّ الحِوار وحاوَر الشَّيخَ: أبو فَهِيمة عبدُ الرَّحمن البِجائِي
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغْفِرُهُ، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهدِهِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له؛ وأَشْهد أن لا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريك له، وأَشْهد أنَّ مُحَمَّدا عبدُهُ ورسولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: ۱۰۲].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ۱].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: ٧٠ – ٧١]. أمَّا بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بـدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد تكاثرتِ النصوصُ من الكتابِ والسُنَّةِ وتضافرت بالتَّنْويه بمكانةِ العِلمِ الشَّرْعيِّ وأَهْلِه، فبالعلم يَعْرِفُ الإنسانُ ربَّهُ تبارك وتعالى فَيُوَحِّده ويَعْبُده ويَتَّبِع صِراطَهُ المستقيم الذي هو دين الإسلام القويم، وما أهل العلم إلَّا أدِلاءٌ عليه دُعاةٌ إليه؛ بالعِلْم يَعْملون ومِن مَعِينِه الصَّافي يَنْهَلون فيرتوي من رَوَائِهِم سائر النَّاس مُنْتَفِعين بهم مُسْتَرشِدين بما مَعَهم من العلم بالكتاب والسُنَّةِ بِفَهْم سَلَفِ هَذه الأُمَّة؛ فَمِن آيِ القُرآن الكَريم الشَّاهِدة لأَهْل العلم بالفَضْل والنَّفْع وَسُموِّ المكانَة عِند الله وعِند جَميعِ المؤْمِنين قَول ربِّنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: ١١]، وقَوْله تبارك وتعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[البقرة: ٢٦٩]، وقَوْله عزوجل: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[الزمر: ٩]، ومِن السُنَّةِ قَوْل النبي صلّى الله عليه وسلَّم :” وَلَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَاِبِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَاِئِر الكَوَاكِبِ؛ فَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا ولَا دِرْهَمًا وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ”. رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه وغيرهم، وقوله عليه الصلاة والسلام :” إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ للعَالِمِ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الحِيتَانُ فِي جَوْفِ البَحْر”. أخرجه ابن ماجه.
فَأَهْلُ العِلمِ مِنْ صَفْوَةِ اللهِ مِنَ الخَلقِ وأَعْرَفُ النَّاسِ بالحَقِّ، اصْطَفاهُم الله تعالى من سائر أَهْلِ القِبْلَة:” فَتَفَضَّلَ عَلَيهم فَعَلَّمَهُم الكِتَابَ والحِكْمَة، وفَقَّهَهُم في الدِّين، وعَلَّمَهُم التَّأْويل وفَضَّلَهُم عَلى سائِرِ المؤْمِنين وذلك في كُلِّ زَمان وَأَوان، ورَفَعَهم بالعلم، وزَيَّنَهم بِالحِلْم، بِهِم يُعْرَف الحلالُ مِنَ الحَرام، والحَقُّ من الباطِل، والضَّارُ من النَّافِع، والحَسَنُ مِن القَبِيح، فَضْلهم عَظِيم وخَطَرهُم جَزيل، وَرَثَة الأنْبِياء، وَقُرَّة أَعْيُن الأوْلِياء… “. (قاله الإمام الآجُرِّي في مُقَدِّمة كتابه “أَخْلاقُ العُلَماء”)، يُوقِظون النَّاسَ مِن سُبَاتهم ويُنَبِّهونهم مِن غَفْلَتِهم ويَبْعَثونهم من خمُولهم بَلْ خُمودِهِم فَيُوَجِّهُونهم إلى فَلاحِهِم بِسُلوكِ سُبُل الجِدِّ والاجْتِهاد، ويُحْيون من قَتَلَهم الجَهلُ والانْحِرافُ فَيُثَبِّتونَهم على سَبيلِ الرَّشادِ والسَّداد الذي هو سَبِيل الرَّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم الذي فيه الحياة الحقيقيَّة، الحياة الطَيِّبة التي وعَدَها الله تعالى من اتَّبَعَ دينَه وشَرْعَه من عِبادِه ذُكْرانًا وإِناثَا :” فَالحَياةُ الحَقيقيَّةُ الطَيِّبَةُ هِيَ حَياةُ مَنْ اسْتَجابَ للهِ والرَّسول ظاهِرًا وباطِنًا؛ فَهؤُلاءِ هُم الأَحياءُ وإن ماتوا، وغَيرُهم أَمواتٌ وإنْ كانوا أَحياءَ الأَبْدان، ولِهَذا كان أَكْمَل النَّاسِ حَياةً أَكْملهم استِجابَةً لِدَعوة الرَّسول صلّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّ كُلَّ ما دَعا إِلَيْه؛ فَفِيهِ الحَياة؛ فَمَن فاتَهُ جُزْءٌ مِنْه فاتَه جُزْءٌ من الحَياة، وفيه مِن الحَياة بِحَسَب ما استَجاب للرسول صلّى الله عليه وسلَّم “. (كتاب “الفوائد” لابن القيم ص١٠٣)، فلا شَكَّ إذاً أنَّ أَهلَ العِلْم الدُّعاة إلى الله على وَفْقِ هَدْيِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلَّم هم الدُّعاةُ إلى الحياةِ الحقِيقِيَّة الطَيِّبة السَّعيدة، واللهُ تَعالى هُوَ الموفِّق.
فَما على المسلمين عَامةً والشَّبابِ مِنْهم خاصَّةً إِلاَّ اتِّباع سَبِيل عُلمائهم، عُلماء أَهْل السُنَّة والجماعة؛ أَتْباع السَّلَف الصَّالح: فَبِهِم يَسْتَرشِدون وَعَلى خُطاهُم يَسِيرُون وبِعُلومِهم ونُصْحِهم وتَوْجيهَاتهم يَسْتَنيرون ويَهْتَدون في زَمَنٍ أَظْلَمَت فِيه المسالِك إِلَّا ما رَحِمَ الله، وارْتَفَعَت فيه أَلْوِيَةُ الفَساد بِشَتَّى أَوْصافِه وَصِفاتِه؛ فَإنَّما النَّجاة بِالاسْتِمْساك بِهِم والاعْتِصامِ بالسُنَّة الَّتي هُم الأدِلَّاءُ عليها الحَفَظَةُ لها، فَلِيَجْعَلَ كُلُّ مُسْلمٍ بالقرآن مهتدٍ وبالسُنَّة مقتدٍ نَصْب عَيْنَيه قَوْلَ الإمامِ الأَوْزاعي رحمه الله تعالى :{اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلى السُنَّة، وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ القَوْمُ، وَقُل بِمَا قَالوا، وَكُفَّ بِما كَفُّوا عَنه، واسْلُك سَبِيل سَلَفِكَ الصَّالح؛ فَإنَّه يَسَعْك مَا وَسِعَهُم}. (أخرجه الَّالَكائي في “شرح أصول الاعتقاد”، نقلا عن كتاب “الإصباحُ في بيانِ منهج السَّلف في التَّربية والإصلاح”، ص٣٣).
وَإنَّ مِن هؤُلاءِ الفُضَلاء مِن أَهْل العِلم: شَيْخُنا عَبْدُ الغَنِيِّ بنِ الحَسَن عَوْسَاتْ -حفظه الله تعالى وأيَّدَه-، الذي تَفَضَّل -جزاهُ اللهُ خَيرًا- بِذِكْرِ شَيْءٍ مِن سِيرَتِه وجَوانب من حَياتِه على شَكْل حِوارٍ يَتَضَمَّن أَسْئِلَةً أَلْقَيْناها عليه؛ كان الغَرَضُ مِنها التَّعريفَ بِشَيْخنا، بِجُهودِه في العِلم والدَّعْوة إلى الله تعالى، لعلَّ الله تبارك وتعالى يَنْفع بها ويَجعل لِتِلكُم السِّيرة في الجِدِّ والسَّعْي في طَلَب العِلم وَبَثِّه وَنَشرِهِ وَنَشرِ الخَير مَن يَقْتَدي ويَهْتَدي، وبِتِلك الآثَارِ والمآثِرِ يَقْتَفي كَما كانَ شَأنُ أَسْلافِنا الصَّالحين الذين بَلَغوا شَأْوًا بَعيدًا مِن الاهْتِداءِ والاقْتِداءِ بِالصَّالحين مِن عُلَماءِ هَذه الأُمَّة وَأَئِمَّتِها، واللهَ سبحانه وتعالى نَسْأَل أَن يَنْفَع بهذه التَّرجمة كُلَّ مَن قَرَأَها أو اطَّلَع عليها، وَنَدْعوه تبارك وتعالى أَنْ يُجْزِل الأَجْرَ والمثوبَةَ لشيخنا حَفِظَهُ اللهُ لِما قَدَّمَ مِنَ الخَيرِ وَلا يَزَال وَأَنْ يُعينَهُ في دَعْوَتِه إلى القرآنِ والسُنَّةِ وَتَرْغيب النَّاسَ فيهما إنَّه وَلِيُّ ذلك والقَادِرُ عَلَيْه وَهُو سُبحانَه خَيْرُ مَسئُول وأَفْضَلُ مَأْمُول، اللَّهُمَّ آمِينْ!
فَإِلى مُحاوَرَةِ شَيْخِنا حفظه الله تعالى والاسْتِفادَة مِن أجوبته:
المُحاوِر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على الحسنى إلى يوم الدِّين؛ وبعد:
شَيخَنَا الفاضِل حفظكم الله:
نَوَدُّ جزاكم الله خيرا، أن نَطرَحَ عليكم بعضَ الأَسئلة حتَّى يَتَسَنَّى لنا من خِلال جَوابِكم عليها كِتابةَ نُبْذَةٍ عن حياتكم -أطال اللهُ عُمُرَكم في الصَّالحات- حيث أنَّ، والحقُّ يُقال، كثيٌر هم الإِخوانُ والأخواتِ الذين يَوَدُّون أن يتَعَرَّفوا على حَياتِكم.
وبِدايةً، نرجو شَيخَنا -أحسن الله إليكم- أنْ تَذْكُروا لنا اسْمَكُم كامِلا وَسَنَةَ مِيلادِكُم، وكَذا اسمَ قَريتِكم أو بَلَدِكم الأَصْلي؟ الشيخ –حفظه الله-:
بسم الله الرحمن الرحيم؛
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغْفِرُهُ، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهدِهِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له؛ وأَشْهد أن لا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريك له، وأَشْهد أنَّ مُحَمَّدا عبدُهُ ورسولُه.
أمَّا بعد؛ في حقيقةِ الأمرِ وَقَرارَةِ النَّفْس، أَنَّني لا أُحَبِّذُ ذِكرَ هَذِه التَّرجَمة، ولقد طُلِبَ مِنِّي هذا مِن قَبْل مِرَارًا وتَكْرارًا واستِمْرارًا وإِصْرارًا من بعض الإخوان ولكنَّني أَبَيْت؛ ولَمَّا رأيتُ من خلال أَسْئِلتِكم وإِلحاحِكم، والمصلَحَة التي اقتَضَت ذِكْرَ ذلك حِرص الكثير من الإخوان والأخوات معرفةَ هذه الترجمة فنذكرها مُوجَزة مختصرة.
أوَّلًا: إسمُ العبد الضعيف هو: عَبْدُ الغَنِيِّ عَوْسَاتْ بنُ الحَسَن بنُ بَشير الوَغْلِيسِي، مِن شْمِينِي ولاية بِجَايَة.
تاريخُ الميلاد: يوم الخميس ٢٠ جمادى الثاني ١٣٧٨؛ الموافق ل: ٠١ جانفي ١٩٥٩م، في نَفْس القرية يعني شْمِينِي، وقَبلَ ذلك كانتِ العائِلةُ تَقطُن في قرية تَاقْرْيْتْ بدائرة سِيدِي عِيشْ عموما أو عَرْش بَنِي وَغْلِيسْ، أيْ نعم.
المُحاوِر:
بارك الله فيكم شيخنا، نرجو كذلك أن تُحَدِّثونا قليلا عن بدايتكم في طلب العِلْمِ، وكَيْف كانت خُطاكم الأُولى في طريق الطَّلَب؟
الشيخ –حفظه الله-:
في الحقيقة، طَلَبُنا للعِلم كان كسائِر طَلبِ الطَّلبة عُموما وغالِبا؛ وباختصار كانت البدايَةُ سنةَ ألف وتسعمائة واربع وسبعين [١٩٧٤]، حيث كان لنا والحمد لله دِراسات وجَلَسات استَمرَّت واستَغْرَقَت سَنَتَين مع الشيخ عَمرو الْعَرْباوي -رحمه الله- في كتاب “بدايةُ المجتهد ونهايةُ المقتصد” لابن رُشْد المالكي، ثم مع تعرُّفي عليه ومَعْرِفَتي به، أَلفَيتُه رجلا يُحِبُّ الأدلَّة ويَنبُذُ التَعَصُّب المذهبي، ويَسيرُ على الدَّليل ويَثْبُتُ عليه ويَصِيرُ إليه ويَتوَقَّفُ عِنده، ذِكْرا وأَثَرًا وحُجَّةً، وقُوَّةً كذلك أي صِحَّةً؛ كلُّ ذلك جعلني أَرْتَبط به وأَقْرَأُ عليه بعضَ الكُتب “كالاعْتِصام” وفُصولا كَثيرة من “الموافَقَات”؛ كِلاهما للشَّاطِبي، وكتاب “تفسير الأحكام” للسايس. كما اغتنَمْتُ فُرصة تَعرُّفي على شيخ كان له اطِّلاعٌ واسِعٌ وإدراك جامِعٌ ونافِعٌ لكثير من الفنون والعلوم الشرعية، عُلومِ الأدِلَّة؛ وهو الشيخُ مُحَمَّد مالك الوَغْلِيسِي-رحمه الله-، فدَرَسْنَا عليه مُتُونا في الأُصول : الحمد لله حَفِظْنا “الوَرَقَات” أَوَّل ما حفِظناها، وكذلك “مَراقِي السُّعود”، كما دَرَسنا الأَلفِيَّةَ، “أَلْفِيِّةَ ابن مالك” وكذا “القَطْر” أي “قَطْرَ النَّدَى”؛ والأَلفِيَّةَ حفِظناها والحمد لله عنده، وكذلك “اللَّامِيَّة”، “لامِيَّةَ الأَفْعَال” وفُنونًا أُخرى، وكانت لنا أيضا مجالسٌ استغْرَقَت سنَوات عديدَة ومديدة مع الشيخ مُحَمَّد الشَّارْف-رحمه الله-، كان أغلبُها في الفقهِ المالكي، وكان ذلك السَّبعينات والثَّمانينات.
وكذلك كانت لنا مجالس مع الشيخ أحمد حمَّاني-رحمه الله- في مَقَرِّ (المجلس الإسلامي الأعلى)؛ يومئذٍ كان الشيخ حمَّانِي رئيسا له، فدَرَسْت عليه؛ كُنَّا نَجعل درسًا خاصًّا، هو لا يُريد أنْ يقول: يُدْرَس عَلَيَّ، قال: إنَّما نَتَدَارَس؛ هذا يعني من باب التَّواضُع منه فقط-رحمه الله-، إذاً كانت الدِّراسَة في كتاب “قَوَاعِدُ الفِقْه” لبَدرِ الدِّين الزَّرْكَشي، وكتاب “نيل الأوطار” مع الإتمام والإحكام وكانت لنا لِقاءات وجَلَسات مع مشايخ آخَرين. نَكْتفي بما ذكرنا بارك الله فيكم.
المُحاوِر:
بارك الله فيكم شيخنا: بِوُدِّنا كذلك أن نعرف متى أو في أي مرحلة من عمركم تعرفتم على المنهج الحق: منهج السلف الصالح، وكيف تم ذلك؟
الشيخ –حفظه الله-:
الحمد لله الذي بصرنا بالحق المبين، وجعلنا من أتباعه على دعوة النبي الأمين -صلّى الله عليه وسلَّم- والتمسك بهذا الحبل المتين، وتَلَقِّيه من أنقى مَعين، والحمد لله لَمَّا تعرَّفنا على هذا الشيخِ العَرْباوي -رحمه الله- أعني في نهاية أربعة وسبعين [١٩٧٤] فذكر هذا الكتاب [“بداية المجتهد ونهاية المقتصد”] الذي يذكر المسألة وأدلتها واختلاف الفقهاء في طرح الأدلة والاستدلال بها، والاستنباط منها ونحو ذلك مما هو منهج الفقهاء في الاستقراء والاستقصاء أو في الاستدلال والاستنباط أو نحو ذلك من هذه الوسائل والمناهج، فالمهم هذا الذي جعلنا نعطي قيمة للدليل، ونتحرى الدليل ونلتمس الدليل ونسعى إلى معرفة الدليل؛ لأن الفقه مستمد من الكتاب والسنة؛ فالإنسان ثمة، كانت تميل نفسه أو يجد نفسه نَزَّاعة وميَّالة بكل صراحة تَوَّاقة إلى معرفة الحق من مصادره وبوسائله وأدواته ومن أهله وذويه ومنهجه وطريقته، هكذا؛ هذا الذي جعلنا والحمد لله نستحسنه، هذا الذي جعل قلوبنا تطمئن له وتقر أعيننا به –هذا المنهج- وكانت بكل صراحة من أوائل هذه الرسائل التي قرأتها أذكر -وهذا سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف- رسالة الشيخ الألباني –رحمه الله تعالى- “الأجوبة النافعة” وكذلك “صفة صلاة النبي صلّى الله عليه وسلَّم”، وغيرها من كتب شيوخ الاسلام وأئمته الأعلام كابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهَّاب وغيرهم عليهم رحمة الله؛ فازددت تعلقا وتمسكا وازددت كذلك حرصا واستقرارا واستمرار في طلب هذا العلم، والاستقرار على أصوله وفصوله، هكذا تماما. وبَعدُ، الحمد لله هذا الذي جعلنا نستزيد، فكلما استزدنا وجدنا المزيد وظفرنا بما نريد والحمد لله العزيز الحميد.
المُحاوِر:
ما شاء الله.
من خلال جوابكم هذا، نرجو لو تسدون نصيحةً لشباب اليوم، لتوجيههم وتوعيتهم حول ما يلزمهم ويتطلب عليهم من الاستمساك بمنهج السلف الصالح والاستقامة عليه، جزاكم الله خيرا؟
الشيخ –حفظه الله-:
في الحقيقة الذي ننصح به الإخوان ما نصحنا به قبل ذلك الإخوان، لما نقول الإخوان نقصد الإخوان النَّاصحين المحِبِّين لنا، نقصد بهم الإخوان المحبين للخير والحريصين على تعلمه وتعليمه والعمل به والدعوة إليه؛ والذي ننصح به الشباب : أن يعرفوا الحق وأن يلتزموا به، أن يَتَحَرَّوْهُ ويَتَحَلّوا به، أن يَسْتَيْقِنُوا هذا الحق ويتثبتوا ويستبينوا ويتأكدوا من كونه على ما تدل عليه وما تبينه هذه الأدلة الأثرية والبراهين الشرعية، فالحق واحد لا يتعدد، ولذلك الله سبحانه وتعالى أمرنا جميعا بالاجتماع على الحق والتمسك به فقال تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: ١٠٣]؛ إنما نريد منهم فقط أن يتعلموا، والعلم هو إدراك الشيء على وجهه إدراكا جازما، إدراك الشيء على حقيقته وماهيته وكنهه وجنسه، هكذا ؛ فيحاول أن يدركه إدراكا كليا، أن يحيط به إلماما سُنيا شرعيا فلذلك الذي يقال بكل صراحة: أنه ينبغي على الإنسان أن يسعى في معرفة ذلك، ويبدأ بالأصول إذا أراد الوصول، يبدأ بمعرفة المبادئ، يبدأ بمعرفة حقيقة العلم لأنه كما قيل قديما: “العلم إن طلبته كثير والعمر عن تحصيله قصير” قليل، فليبدأ الإنسان بالأهم ثم المهم، هكذا أو كما قيل :
أَيُّها الغَادِي لِيَطْلُبَ عِلْمًا كُلُّ عِلْمٍ عَبْدٌ لِعِلْمِ الرَّسُول
أَتَطْلُبُ فَرْعًا لِتُصَحِّحَ أَصْلًا فَكَيْفَ جَهِلْتَ عِلْمَ أَصْلِ الأُصُول
فلذلك ننصح الشباب بعدم الاستعجال وعدم إهمال مثل هذه البدايات والخطوات. يريد أن يبلغ الغاية وهو لم يتحر بعد الوسيلة، هل هذه الوسيلة موصلة ومؤصلة وموصولة أو منقطعة ؟ هل هذه الوسيلة قوية أم لا ؟ هل هذه الوسيلة قويمة أم لا ؟ لا بد أن نتأكد من سلامة المنهج وصحة وقوة الطريق وشرعية المواد والأدوات والآلات، والصواب في الاتجاه والسَّداد في الاستحضار أي استحضار الأهداف والغايات؛ فلابد للإنسان أن يستحضر كل ذلك ابتداء ودواما وانتهاء؛ فهذه هي المسألة التي نريدها والتي ننصحهم بها وكما قيل، الحمد لله أن جعل الله لهم أسوة وقدوة، جعل لهم من يقتدون بهم ويتمثلون ويتبعون أثارهم ومنهجهم شبرا بشبر حركة بحركة حتى يسلموا إن شاء الله، وحتى ينجوا ويصلحوا ويفلحوا إن شاء الله، قال ربنا سبحانه و تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}[البقرة: ١٣٧] وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥]؛ فلا بد من اتباع سبيل المؤمنين وسبيل الصلاح والفلاح، ولهذا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلَّم”.أي إذا كنتم مقتدين ومؤتسين فلتأسوا بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقهم علما وأقلهم تكلفا وأحسن حالا وأصلح هديا ؛ “قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”، فقد كانت مجتمعة فيهم تلك الخصائص والمقومات والفضائل والصفات الفاخرة الفاضلة التي يجدر توافرها وتظاهرها في الأمة المثالية التي ضربها الله سبحانه وتعالى مثالا لكل البرية قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].
عموما هذا الذي ننصح به، اختصارا لا بد أن يسيروا على منهج سلفهم، فيسيروا على منهج علمائهم، إذا سار المتأخرون على منهج المتقدمين وساروا على دربهم وصلوا إلى حيث وصلوا وقديما قالوا : “وكلُّ مَن سار عَلى الدَّرْب وَصَل” أي ؛ على درب وركب من سبق فيكون إن شاء الله التزاما وانسجاما وانضباطا وارتباطا إن شاء الله يسلم الإنسان ويسعد ويصل بإذن الرحمن.
المُحاوِر:
نرجو كذلك شيخنا بارك الله فيكم لو تحدثونا عن المشايخ الذين تعرفتم إليهم أو جالستموهم أو جلستم إليهم سواء في الجزائر أو خارجها ؟الشيخ –حفظه الله-:
والله في الحقيقة ذكرنا الذي ذكرنا، وخارج الجزائر طبعًا تعرَّفنا على مشايخ كثيرين وكانت لنا مراسلات معهم لا داعي لذكرها الآن حتى لا نستطرد ولا نسترسل في ذكر مثل هذه الأشياء.
وكذلك جلسنا إلى مشايخ والحمد لله نفرح ونسعد ونتشرف بذكر هؤلاء العلماء الفضلاء كالشيخ العثيمين مثلا والشيخ ابن باز ومشايخ آخرين غيرهم، ما شاء الله ! وكان حرصنا دائما وأبدا أن نسير ونصير إلى مثل هذه الأماكن التي نجد فيها العلماء.
نكون حريصين على الالتقاء بهم ومجالستهم ومكالمتهم إلى غير ذلك من وسائل الاتصال بهم حتى يستفيد الإنسان منهم وهكذا والحمد لله، ولذلك يكون لقاؤنا يعني حرصنا على مثل من كان كذلك، أذكر مشايخ مثل الشيخ ربيع والشيخ عبد المحسن، وغيرهم من المشايخ الفضلاء، حتى لا أذكر بعضهم وأنسى بعضا الحمد لله استفدنا ونحمد الله سبحانه على هذا التوفيق.
المُحاوِر:
الحمد لله، وسؤالٌ أخيرٌ شيخنا:
هناك بعض الناس أو الإخوة يتساءلون، يقولون: لماذا الشيخ عبد الغني جل جهوده تتجه إلى إلقاء المحاضرات والدروس عوضا عن التأليف والكتابة وما شابه ذلك، وأيضا متى كانت بدايتكم للدعوة إلى الله ؟ الشيخ –حفظه الله-:
في الحقيقة أعطينا جانبا كبيرا للمحاضرات والدروس وغير ذلك من هذه الوسائل الدعوية في نشر العلوم الشرعية، حقا يعني بكل صراحة لم نهمل جانب التأليف إنما لنا أشياء لا تزال مُسَوَّدَة ولا تزال إن شاء الله معدة لذلك ندعو الله أن يوفقنا لإخراجها في أحسن الأحوال وفي أقرب الآجال إن شاء الله. لكن أعطينا أهمية لأُمور -لعل في بعض الأحيان- تقتضي مزيد اهتمام يعني: الأهميةَ الحاجةُ تقتضيها؛ اهتمام الناس بها وحاجة الناس إليها وحرصهم كذلك ودعوتهم لتحقيق ذلك. هذه العوامل كلها مما جعلنا نعتني بكل ذلك والحمد لله، لكن الحقيقة بعض الناس يخطئون لما يظنون أنَّنَا لم نعط لهذه العلوم أهميتها، فممكن يقال لَكَ مثلا إنما هي محاضرات فقط في مجالات معينة أو في مقالات معلومة أو محدودة، يعلم الله أنَّنَا نحرص على أن تكون الدروس علمية ولهذا فكنا نقيم الدروس منذ سنة سبعة وسبعين [١٩٧٧]، أذكر يومئذ لما كنا والحمد لله حريصين على أن يحفظ الشباب متن “العقيدة الطحاوية” فحفظوها والحمد لله وشرحناها لهم، وكذلك حفظوا “البيقونية” وشرحناها لهم في تلك السنوات، وكذا بعض المتون الأخرى.
كما كنا نشرح في (ديَارْ جْماعَة) -وكان هذا المجلس يحظره طلبة الشريعة في (جامعة خروبة)- شرحنا لهم علم أصول الفقه ؛ يعني كنت شرحت لهم هذا الكتاب” علم أصول الفقه” لعبد الوهاب خلاف مع التعليقات على ما فيه من كلام مصنِّفه، وإن كان هذا استنصاحا استنصحت فيه الشيخ الألباني فنصحني بتدريسه يعني سنة ألف وتسعمائة واثنين وثمانين [١٩٨٢] فنصحني بتدريسه فدرَّسته للشباب وكذلك درَّسنا لهم “الباعث الحثيث” وكذا “بلوغ المرام” و”سبل السلام” أي هذا الشرح مع التعليق و”الروضة الندية” في (مسجد لافايونس) و”العمدة” و”الأصول الثلاثة” و”شرح رِيَّاض الصالحين” في (مسجد الحراش) و”الأصول من علم الأصول” (بمسجد سْفْنْجَة)، و”شرح سنن الترمذي” و”شرح صحيح الترغيب والترهيب” في (مسجد السلام) بالمحُمَّدِيَّة، وكذا شرحت”الأصول من علم الأصول” في (مسجد ابن باديس) بالقُبَّة، و”مناهل العرفان في علوم القرآن” في (مسجد ابن حداد بن عمر) ؛ يعني كانت لنا دروس منذ ذلك الوقت، وحقا الآن لنا رحلات ودورات وندوات ومحاضرات ما شاء الله، سواء كان ذلك في الإقامات الجامعية أو المراكز الثقافية وغير ذلك من الملتقيات العلمية، فهذا الذي جعلنا بكل صراحة نُوْلي مزيدَ اهتمام وجهد لهذه الأمور -لاقتضاء الحاجة-.
في الحقيقة الحاجة هي التي اقتضت ذلك منذ سنوات عديدة ومديدة خلت إلى يومنا هذا؛ يعني إلى يومنا هذا امتدت الحاجة ولا تزال تقتضي كل ذلك، هذا الذي جعلنا نسير ونستمر على تلك الطريقة والمنهجية ولكن مع عدم إهمالنا لجانب الكتابة، إنما ممكن جدا أن قضية عدم الاستعجال في إخراجها وطباعتها ترجع لعوامل؛ في بعض الأحيان هناك عوامل تحول دون تحقيق ذلك، قد ينشغل الإنسان بهذه المحاضرات والتنقلات المستمرة طيلة السنة بل تصل سنة بأختها ولا تكاد تجد انقطاعا بين السنة والتي قبلها أو التي بعدها ! يعني كما أقول: أنا قلت للإخوة عند عامة الناس في محاضراتهم وجهودهم ونشاطاتهم يأخذون بين التعب والتعب راحة، أما أنا عندي في الجزائر للأسف الإخوان لا يُرَاعُون هذا فيجعلون بين التعب والتعب تعبا! أي بدل أن نأخذ ذلك الوقت للراحة، ذلك الوقت ينازعوننا فيه وينافسوننا فيه ويأخذون حظنا منه فيكون حظهم الأكبر والأوفر والأظهر إنما يكون حظنا منه أقصرَ ولا أقول أخسرَ، إنما أقول أقصر كمًّا ولكن إن شاء الله أربح نوعا وأثرا.
هذا الذي جعلنا عموما نتوجه إلى هذا الجانب وخاصة في سنوات قد مضت، اليوم الحمد لله فيه دعاة كثيرون وفيه طلبة تخرجوا والحمد لله لكن قبل ذلك كانوا قلة قليلة، كانوا قليلين جدا. واليوم إن شاء الله لعل الإنسان يتفرغ لشيء آخر هو جانب تبييض وإخراج هذه الأشياء، هذه الجهود الكتابية مثلما كانت جهودا علمية إلقائية وبيانية والعلم كما تقولون يعني: دائما هذه الوسائل وهذه الأدوات كلها إذا كانت من أجل ضبطه وحفظه ونشره وبذله فإنما ينبغي أن تكون فقط حسنة إذا كانت مضبوطة تماما ومحفوظة تماما ومنشورة تماما على الوجه الشرعي الذي ينفع العالم والمتعلم؛ العالم ينفعه إن شاء الله أثرا وثوابا وأجرا ومآبا والمتعلم كذلك ينفعه توجيها وترشيدا وتعليما وتربية، والله تعالى الموفق.
أمَّا متى بدأت الدعوة يعني عموما في عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين [١٩٧٧]، كانت لنا تنقلات متعددة إلى أماكن متنوعة، ويومئذ بكل صراحة كنا نتنقل راجلين وأذكر مرة كانت لي تنقلات إلى مدن الشرق الجزائري لعقد بعض المجالس العلمية وكذا إلقاء بعض الدروس التوجيهية والعلمية كذلك، فأذكر مرة أني ذهبت إلى (سطيف) بكل صراحة استعملت القطار الرابط بين الجزائر وقسنطينة، ولم أكن أدري بعد فراغي من إلقاء درساً في مسجد (الكاليتوس) بباش جْرَّاحْ، وبعد المغرب استقللت وامتطيت هذا القطار متوجها شطر (سطيف) ولم أكن أعرف آنذاك أن ذلك القطار مملوء عن آخره بالشباب الذين كانوا ذاهبين إلى مدينة (قسنطينة) لمشاهدة مباراة في كرة القدم، وأحوالهم يومئذ كانت مخيفة، مرهبة؛ تعرفون أحوال وسلوك الناس في مثل هذه المناسبات وفي مثل هذه الظروف، ولم أظفر بمقعد في العربات، إنما وُجِد مكان يسعني الجلوس فيه في تلك المواقف التي بين العربات. فكانت لنا في بعض الأحيان هذه الأشياء التي نذكرها وتبقى راسخة في أذهاننا ولكن نبقى دائما وأبدا نحمد الله سبحانه وتعالى على سلامتنا وعلى اهتدائنا واستقامتنا، ونسأله سبحانه كذلك أن يثبتنا على ذلك ويختم لنا به، آمين، والله الموفق.
كما كانت لنا نشاطات في الإذاعة، لما دعينا للإذاعة سواء القناة الأولى بالعربية أو القناة الثانية بالقبائلية وكانت لنا في هذه الأخيرة نشاطات في الدروس والتوجيهات والفتاوى والإرشادات وهذه الحصة استغرقت خمس عشرة سنة وكذلك القناة الأولى كان لنا “حديث الصباح” و”حديث الجمعة” استغرق مدة من الزمن، واستحسنه الكثير من المستمعين فنحمد الله سبحانه وتعالى على ذلك.
المُحاوِر:
شكرا جزيلا شيخنا الكريم وجزاكم الله خيرا على قبولكم الإجابة على أسئلتنا، نسال الله تعالى أن يجعل جهودكم في ميزان حسناتكم وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه، آمين.
“وسبحان الله و بحمده أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك”.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله